ح 93 عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال : إنِّي لا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا .
قَالَ ثَابِتٌ : فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئاً لا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ . كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ انْتَصَبَ قَائِماً , حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ : قَدْ نَسِيَ , وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ مَكَثَ , حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ : قَدْ نَسِيَ .
في الحديث مسائل :
1= معنى " لا آلـو " أي لا أُقَصِّر .
وقال ابن قتيبة في غريبه : ويُقال : لا آلو كذا ، أي لا أستطيعه .
ومعناه أي لا أقصِّر ما استطعت من صلاتي بكم كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا يعني أنه يجتهد في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وفِعلاً .
2= في هذا الحديث دلالة على جواز طول بعض الأركان عن بعض ، وأن القريب من السواء أمر نسبي – كما تقدّم – .
3= فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع أطال القيام ، وفيه مسائل :
الأولى : الرد على من يَنْقُر صلاته ، بل لا يَجعل بين الركوع والسجود فاصلاً .
الثانية : أن السنة عدم الاقتصار على قول " ربنا ولك الحمد " كما تقدّم ، وتقدّم أنه يقول غير ذلك مما وَرَد
الثالثة : أن هذا الموضع موضع ثناء وذِكر لله عز وجل .
وقد تقدّم أن رجلا قال لما رَفَع رأسه من الركوع : ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه .
4= فيه أن ظنّ المأموم لا يُشْرَع معه تنبيه الإمام .
فقول أنس رضي الله عنه : " حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ : قَدْ نَسِيَ " فيه إشعار بأن المأموم قد يظن أنه نسي ، فلا يُشرع له تذكير إمامه إلا إذا تيقّن نسيانه أو وقع الخطأ من الإمام .
5= القائل : " حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ : قَدْ نَسِيَ " هو أنس رضي الله عنه ، فقد جاء في رواية للبخاري من طريق ثابت قال : كان أنس يَنْعَت لنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فكان يصلي وإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول قد نَسِي .
ويؤيِّد ذلك رواية لمسلم : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : سمع الله لمن حمده ، قام حتى نقول : قد أوْهَم ، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول : قد أوهم .
وهو بمعنى الرواية الأولى .
6 = فيه أن الطمأنينة واجبة بعد الرفع مِن الركوع وبين السجدتين ، وهذا وإن كان مُجرّد فِعل منه عليه الصلاة والسلام ، إلاّ أنه يعضده قوله عليه الصلاة والسلام : صلّوا كما رأيتموني أصلّي . رواه البخاري .
قال النووي : وتجب الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال مِن الركوع والجلوس بين السجدتين ، وبهذا كله قال مالك وأحمد وداود . اهـ .
7= تقدّم ماذا يقول بعد القيام من الركوع ، فماذا يقول بين السجدتين ؟
يقول : رب اغفر لي ، رب اغفر لي .
ففي حديث حذيفة رضي الله عنه : وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده ، وكان يقول : رب اغفر لي . رب اغفر لي . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وفي رواية ابن ماجه أنه كان يقوله في صلاة الليل .
قال الترمذي : وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق ، يَرون هذا جائزا في المكتوبة والتطوع . اهـ .
وذَكَر شيخ الإسلام ابن تيمية قول حذيفة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم إنه جَعل يقول بين السجدتين : رب اغفر لي. رب اغفر لي . ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لم يُرد : أن هذا قاله مرتين فقط ، كما يظنه بعض الناس الغالطين . بل يُريد : أنه جعل يُثَنِّي هذا القول ويُردّده ويُكرره ، كما كان يُثَنِّي لفظ التسبيح . اهـ .
وله أن يدعو بين السجدتين بعد قول : رب اغفر لي ، ولا إشكال في كَون الدعاء بِصيغة الإفراد ، أي يدعو لنفسه ، ولو كان إماما لِضعف حديث : لا يؤم قوما فيختص نفسه بدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم . وقد رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، وضعفه الألباني والأرنؤوط .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وكذا دعاؤه بين السجدتين ، وهو في السُّنن من حديث حذيفة ، ومن حديث ابن عباس ، وكلاهما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه إماما ، أحدهما بِحذيفة، والآخر بِابن عباس .
وحديث حذيفة : " رب اغفر لي ، رب اغفر لي " ، وحديث ابن عباس فيه : " اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني" ، ونحو هذا ، فهذه الأحاديث التي في الصحاح والسُّنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة الإفراد . وكذلك اتفق العلماء على مثل ذلك ، حيث يَرون أنه يُشْرَع مثل هذه الأدعية .
والله تعالى أعلم .
|